الموقع الرسمي للمدرب:

سبحان الله لا خطط،

سبحان الله لا خطط، لا استراتيجيات، لا عقود، لا بنود، لا مهام، لا صلاحيات، لا تعارف، لا اتفاق. تعقد الصفقة ونحن شهود نبارك ونهني 

أحد طلابي بعد انقطاع دام أكثر من سبع سنوات، وصلتني منه رسالة ودعوة لحضور حفل زفافه، ثم عقب بعد أيام باتصال، وقد اشتقت له وعزمت الحضور مع مشقة ذلك علي.

فلما حضرت وليمة عرسه وشاهدت عدد الحضور وتنوع الحاضرين، بين صغير وكبير، وغني وفقير، وصديق وزميل، وجار وعميل. تبادر إلى ذهني خاطرة.

قلت في نفسي سبحان الله، لماذا الإنسان في هذه المناسبة يدعو كل من يعرف، وكل من تربطه به صلة أو معرفة، ويفرح بمن يحضر من غير دعوة أو قد نسي أن يدعوه، بل بوده لو حضر الناس جميعا.

 

نعم هي فرحة وبداية حياة مختلفة ومناسبة قد لا تتكرر. لكن الإنسان يمر عليه مناسبا أخرى كثيرة أيضا لا تتكرر. منها بناء بيت يحلم به قد جمع له مدخراته طيلة حياته، فهو يقيم بهذه المناسبة احتفالا ومأدبة ولكن ليس كاحتفال زواجه، بل هي مأدبة عشاء وحسب. كما انه قد يحصل على شهادة عالية و لرب ما أقام لها احتفالا أو عشاء. كذلك قد يحصل على منصب مرموق لم يكن يحلم به فقد يقيم له مناسبة أو حفل أو مأدبة أو أقيمت له. و لرب ما ابرم عقد شراكة مع شركاء لتأسيس شركة مساهمة برأس مال كبير وتدر أرباحا عالية، وتدير مشاريع دولية. وقد يقيم لها احتفال وقد تنسيه المشاريع وتشغله الصفقات عن ذلك.

ووجدت أن الإنسان بطبيعته غالبا لا يقدم على مشروع كهذا، أو بناء مسكن أو شراء سيارة، أو سفر للخارج، إلا بعد أن يسأل أهل الخبرة، ويجمع المعلومات، ويضع أسوأ الاحتمالات، ويخطط ويجهز ويتخيل المستقبل، ويبرم العقود، ويضع الجزاءات، ويفكر في البدائل، ويرصد الاحتياطي. وذلك في شتى مشاريعه، سواء المتكرر منها أم الذي لا يتكرر، سواء الصغير أم الكبير.

بل تجد أن الشركاء يبذلون قصارى جهدهم في وضع البنود واللوائح والشروط وتدوين كل شاردة وواردة، ويحتاطون لأسوأ الاحتمالات، وقد حددوا الأهداف، ورسموا الخطط، ودونوا الشعارات، وصمموا التواقيع، كل ذلك من اجل أن تستمر شراكتهم دون مشاكل أو خلافات أو منغصات أو غبن.

وهذا يتم في كل مشروع يقدم عليه الإنسان، ويحصل بين كل شريكين مهما كان حجم شركتهم، ومهما كانت مدة الشراكة.

ولكن من المؤسف أن الناس اجمعوا جميعا -إلا من رحم ربي-  أنه وفي حالة واحدة لا يتم ذلك بين شريكين يلتقيان لأول مرة ليعقدان عقد شراكة أبديه، ولا يعرف بعضهما بعضا من قبل، ولا يحيط احدهما بخصائص الأخر- إلا ما ندر- وعقدهما هذا عقد متعد إلى غيرهما، فهو يستمر باستمرار حياتهما في هذه الشركة بل قد يتعاقبه أجيال وأجيال والشراكة قائمة والنتاج مستمر والعطاء مدرار والكسب متحقق.

المؤسف أن عقدهما ليس فيه بنود ولا شروط ولا جزاءات ولا خطط ولا أهداف ولا بدائل وليس لهما شعارات ولا رسائل ولا رؤى. وليس بينهما أمر مرسوم وشيء متفق عليه.

بل يجمعان كلاهما على أخذ احدهما بيد الآخر والانطلاق إلى حيث لا يدرون، والسير المستمر، وإطفاء الحرائق التي تلاحقهما دون النظر في الفتيل الذي يشعلها أو الوقود الذي يلهب أوارها. مستسلمين لما يجد في حياتهما، مستقبلين كل جديد دون اعداد أو استعداد.

فسبحان الله لا خطط، لا استراتيجيات، لا عقود، لا بنود، لا توزيع مهام، لا تحديد صلاحيات، لا تعارف، لا اتفاق.

ومع كل هذا يعقدان تلك الصفقة، ويبدأن تلك الشركة، ويقيمان اكبر وليمة في حياتهما، ويدعوان كل المعارف والأصدقاء والأقارب والأصحاب والزملاء والجيران …. الخ

والكل يحضر ولا ينكر الخلل في العقد، ولا الجهالة في الإقدام على شراكة لأول مره دون سابق خبرة أو ممارسة.

بل الجميع يقول بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير..

 

ولعله بسبب هذا تمشي تلك الشراكة بالبركة 

 

د. علي بن عيسى